الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: حتى لا يكون الشاهد بيدقا بأيـدي النهضـة والنــداء

نشر في  30 أوت 2017  (11:18)

في حياتي لم أعرف التّشاؤم يوما لأنّي أؤمن بقيمة العمل والتحدّي.. ورغم عشرين محاكمة بسبب الدّفاع عن حرية الرأي أو ايقاف أسبوعيتي حقائق أو منع الاعلانات الحكومية على جريدة «أخبار الجهورية» طيلة 15 سنة، كنت أؤمن ومازلت بأنّ التحدّي والعمل الجاد هما مفتاح النّجاح وانّ الانسان ـ مهما كانت سنه ـ يكبّل حياته وينهيها ان كف عن الحلم او انجاز حلم..

أمّا بالنسبة  للسلطة السياسية فانّ على الاعلام ـ عامّة ـ  أن يسير في ركابها، مع حقه في نقد السّفاسف، وأمّا أمّهات المشاكل فيجب تجنّبها حتى يرضى عنه «السلاطين» ولا يثير سخطهم، ومن بني «وي وي» إلى جماعة «كل شيء على أحسن ما يرام»..
وان شئنا مصارحة السياسيين فلنؤكد لهم انّ الأغلبيّة من الشعب أصيبت بالأنانية ولم يعد الفرد يفكّر الاّ في مصالحه الضيّقة. لقد تجاهلنا ـ عموما ـ قيمة العمل وصار أغلبنا يتقاضون أجورا «مسمار في حيط» علما انّ الأجور والمنح تضمنها القروض الخارجية.. نحن شعب الكسل والخمول والتمعّش من الإعانات الأجنبية، ولست أدري لماذا  لم يجرؤ أيّ سياسي على مصارحة الشعب بهذه الحقائق المرة ولو انّ تونس مازالت ثابتة على قدميها والفضل في ذلك لمؤسّسات اقتصادية خاصّة واداريين ما فتئوا يتفانون في أعمالهم، كما لبلادنا شباب من طراز رفيع يبادر ويكوّن الثروات في ظروف صعبة..

والى اهمالنا لقيمة العمل تضاف الاحتجاجات الاجتماعيّة  المدمّرة، وان كنت أتفهّم المطالب الشرعية وأساندها طالما أنّها لا تكبّل المؤسسات الاقتصاديّة ولا تمنع العمال من مباشرة مهامّهم ولا تغلق الطرقات أو تضغط على الوزارات، وفي هذا السياق أؤاخذ النقابات على مساندتها لعدم الانضباط، من ذلك ما فعلته نقابة مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس والتي أهانت الوزير العايدي ومنعته من دخول هذه المؤسسة الصحية وطالبت بإقالته، والمضحك المبكي أنّها نالت ما أرادت بما أنّ الحكومة ضعيفة علما انّ اتحاد الشغل ساندها في مطالبها التي يرفضها ايّ عاقل كما ساندت المنظّمة الشغيلة قرار اقالة ناجي جلول لأنّ نقابات التعليم طالب بذلك ولكن لأسباب ايديولوجيّة وشخصيّة.. وانّي أعيب على اتحاد الشغل عدم ضغطه على الحكومة لفرض عدالة جبائية واجبار طائفة من أصحاب المهن الحرة على القيام بواجبهم الجبائي الذي بإمكانه أن يوفّر ما يناهز 10.000 مليار سنويا لخزينة الدولة بما يقلّص بصفة ملحوظة من التداين الخارجي. وفي المقابل من الجحود أن ننسى دور اتحاد الشغل في إنقاذ تونس من التهديدات الظلامية، ودفاعه عن «الغلابة».

 ومن جانبها فانّ الطبقة السياسيّة منصرفة في أغلبها الى خدمة الأحزاب التي تنتمي اليها ومن خلالها مصالحها الشخصيّة والحال انّ تونس تتخبّط في مشاكل عويصة ومصيرية.. لقد أصبحت تونس غنيمة بالنسبة للأحزاب الحاكمة والتي تقاسمت الوزارات والسّفارات والشركات الوطنية في حين تعاني المعارضة من الانقسامات وحروب الزّعامات وأحيانا من خطاب ماركسي متحجّر  أكل عليه الزمن وشرب، فهل ان الأحزاب السياسية مرتبطة وجدانيا بهذه الأرض الطيبة وهل لها مشروع مقنع لانقاذ بلادنا من انتحار جماعي؟ يكفي ان نذكّر بالصّعوبات التي تعترض الشعب الكريم في ضمان لقمة العيش، وكذلك بالارتفاع الجنوني للأسعار بما دفع  التونسيين الى الفقر والتداين أو البحث عن بعض الدنانير الإضافية بجميع الوسائل.. ولتفادي هذه الوضعية القاسية والمدمّرة، اقترح على الأولياء توجيه أبنائهم الى السياسة أو «الكنترا» (التهريب) أو كرة القدم أو «المزود» لتأمين مستقبلهم وأنا طبعا أمزح...
اليوم تمرّ تونس بمرحلة صعبة لأنّ حكومة يوسف الشاهد حكومة محاصصة وهي مكبّلة من النداء والنهضة في حربها على الفساد، كما انّ النّقابات وأغلب المنظّمات تدافع عن مصالح منظوريها دون أن تأخذ مصالح البلاد وامكاناتها بعين الاعتبار.
رغم كلّ هذا لا يسعني الاّ أن أحيّي الأمنيين والجنود والحرس الذين يضحّون كل يوم بحياتهم في حربهم على الارهاب كما أحيّي الشّباب والموظّفين والإداريين ورجال الأعمال الذين يعملون بجدّية وكدّ وهمّة عالية ويضحون لانجاح مشاريعهم، مع وثوقي بأنّ النساء والمبدعين سيكونون الحصن المنيع ضدّ اليأس والظلامية واخفاق السياسيين.
في الختام أعتقد بأن ضغوطات النّداء والنهضة على رئيس الحكومة حتى يحصل كلّ منهما على أكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية هي خطأ سياسي سيدفع بلادنا نحو الهاوية، وعلى يوسف الشاهد أن يرفض أن يكون دمية وأن يصارح الشعب لضمان مستقبله السياسي.